كشف الكاتب عامر سلطان في عرضه لوثائق بريطانية رفعت عنها السرية أنّ القيادة السوفيتية دخلت في محادثات صعبة مع القيادة العراقية أثناء احتلال الكويت، حيث ناقش الجانبان مستقبل العراق وضرورة تحرير الكويت. وأوضحت هذه الوثائق أنّ المسؤولين السوفييت نصحوا القيادة العراقية بالتصرف لمصلحة شعبها وتجنّب عواقب استمرار الاحتلال.
أوضح في مقال نشره موقع ميدل إيست مونيتور أنّ الاجتياح العراقي للكويت بدأ في 2 أغسطس 1990، وعندما رفض العراق الانسحاب رغم الإدانة الدولية الواسعة، شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها عملية "عاصفة الصحراء" في يناير 1991. وفي 15 فبراير قدّم مجلس قيادة الثورة العراقي بقيادة صدام حسين عرض وقف إطلاق نار مفاجئ ربط انسحاب العراق من الكويت بتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية، إضافة إلى ضمان "الحقوق التاريخية" للعراق وإحداث تغييرات سياسية في الكويت.
رأت لجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية أنّ العرض العراقي يهدف إلى كسب نقاط دعائية وتأجيل الهجوم البري، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى احتمال "تغيّر" في موقف بغداد تجاه تسوية سياسية. وقد تزامن ذلك مع زيارة وفد عراقي لموسكو يضم طارق عزيز وسعدون حمادي للقاء ميخائيل غورباتشوف في 17 فبراير.
أظهرت الوثائق أنّ اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات كان صعبًا، لكن غورباتشوف أبلغ البريطانيين أنّه "عملي" رغم التوتر. وأكد للعراقيين أنّ أي حل سياسي مشروط بانسحاب غير مشروط من الكويت. وانتقد عرض بغداد لأنه لم يذكر اسم الكويت بشكل واضح، وعندما حاول عزيز تبرير ذلك أجابه غورباتشوف بتحدٍ: "إذا كان الأمر بديهيًا، فلماذا لم يُذكر صراحة؟".
طرح جورباتشوف خطة بأربع نقاط تضمنت: إعلان نية واضحة للانسحاب من الكويت، تحديد موعد قصير للانسحاب، بدء الانسحاب فور توقف العمليات العسكرية، وأن يكون الانسحاب غير مشروط باستثناء ضمان عدم مهاجمة القوات العراقية أثناء الانسحاب.
سأل الوفد العراقي خلال المحادثات عن رفع العقوبات، وبقاء القوات الأمريكية في المنطقة، ومصير القضية الفلسطينية ولبنان، إضافة إلى موقف موسكو من وصول العراق إلى البحر. لكن غورباتشوف شدد على أنّ ربط تحرير الكويت بالقضايا الإقليمية الأخرى غير واقعي، مع وعد بطرح الملف الفلسطيني ضمن إطار تسوية شاملة في مجلس الأمن. وحذّر الوفد قائلاً إنّ الوقت حاسم، وإذا كانوا يحرصون على مصير بلدهم وحياة شعبهم فعليهم التحرك بسرعة.
وأشارت الوثائق إلى أنّ صدام وفريقه أبدوا بعض الانفتاح على توصيات موسكو. فقد أكد عزيز أنّ العراق لا يضع شروطًا للانسحاب بل يسعى إلى "برنامج" سياسي لتسوية أشمل، واعتبر زيارتهم لموسكو فرصة "للاستماع إلى نصائح تؤدي إلى سلام كريم ومشرّف".
لكن الولايات المتحدة رفضت طلب جورباتشوف تأجيل أي عملية عسكرية أثناء زيارة الوفد العراقي. وأصر الرئيس جورج بوش على استمرار الاستعدادات للهجوم البري. وبعد أيام قدّم العراق ردًا إيجابيًا على خطة غورباتشوف لكنه اقترح تعديلات طفيفة على الجدول الزمني، وهو ما رفضته واشنطن والتحالف الذي أصر على الانسحاب الكامل والفوري وفق قرارات مجلس الأمن.
في 22 فبراير أصدر بوش إنذارًا نهائيًا: على العراق الانسحاب بحلول ظهر 23 فبراير أو مواجهة هجوم بري. ورغم محاولات جورباتشوف لإقناع بوش بتمديد المهلة 48 ساعة لإنجاح الحل السلمي، رفضت الإدارة الأمريكية وأكدت أنّ الثقة بصدام معدومة خاصة بعد إحراق القوات العراقية لحقول النفط الكويتية.
أطلق التحالف هجومًا بريًا استمر أربعة أيام وانتهى في 26 فبراير 1991 بخروج القوات العراقية من الكويت. وأعقب ذلك فرض حصار دولي شديد على العراق استمر أكثر من عقد وأدى إلى انهيار البنية التحتية وأزمة اقتصادية خانقة.
تُبرز هذه الوثائق أنّ الدبلوماسية السوفيتية حاولت إيجاد مخرج سياسي يحفظ ماء وجه العراق ويوقف الحرب، لكن تصلب واشنطن ورفض بغداد التخلي الفوري عن شروطها عجّلا بالمواجهة العسكرية. وتكشف أيضًا أنّ جورباتشوف قدّم لصدام حسين النصيحة الأوضح: أنّ إنقاذ العراق يستلزم انسحابًا بلا شروط، وأنّ أي تأخير سيقود إلى مأساة، وهو ما تحقق بالفعل بعد أيام قليلة من فشل الوساطة.
https://www.middleeastmonitor.com/20250821-documents-reveal-gorbachevs-frank-advice-to-saddam-hussain-during-kuwait-occupation/